بطولة عصفور صغير

                             (ترجمها المؤلّف – بتصرّف - لتلاميذه في الصفّ الخامس)

  بينما كنت ذات مرة آيبًا من الصيد، سائرًا في أحد ممرّات بستاني، رأيت كلبي الأمين "تريزور" - الذي كان يركض أمامي – يبطىء في جريه ويقصّر خطاه ويأخذ في التقدّم بحيطة زائدة كأنّه تنسّم رائحة طريدة. فأخذت أتلفّت في الطريق ذات اليمين وذات الشمال، فأبصرتُ دورِيًّا صغيرًا، لا تزال الصفرة تعلو منقاره الرخص، والزغب يغطّي رأسه، قد سقط من عشّه بسبب الريح القويّة التي أرجحت أشجار السندر المغروسة على جانبيّ الطريق وهزّتها هزًا عنيفًا، وبقي جامدًا في مكانه محاولًا تحريك جناحيه اللذين لم يكد الريش ينبت فيهما بعد، وذلك بطريقة تحرّك الشعور وتبعث على الشفقة.

   دنا منه الكلب وهو متقلّص العضلات يريد الوثوب عليه، ولكنّ دُورِيًّا مسنًّا أسود الصدر لم يُمهله حتّى انقَضَّ عليه للحال كالصخرة، من على شجرة قريبة ووقف أمام فمه وانتفش ريشه وبدا كالحَيْران لا يدري ما يصنع وانقبض نفَسُه ثم أخذ يصرخ صراخ الألم واليأس، وأخيرًا هجم مرَّتين متواليتين على فم الكلب المفتوح المسلّح بأسنان حادّة طويلة، وكان انقضاضه كالسهم على عدوّه كي يُنقذ صغيره ويقف سدًّا منيعًا في سبيل الحيوان المتوثّب لافتراسه. إلّا أن جسمه الصغير أخذ يرتعد من شدّة الخوف وصاح صياحًا أجشّ وحشيًّا، وأقدم على التضحية بنفسه في سبيل صغيره.

وقد ظهر الكلب لعيني الطائر كأنّه حيوان هائل جبّار ولكنّه لم يستطع البقاء على فننه العالي الأمين إذ إنّ قوّة داخليّة تغلّبت على إرادته وأخرجته من مكانه بسرعة البرق.

   فأهاب ذلك بالكلب أن يقف ويتراجع كأنّه أحسَّ بتلك القوّة، فبادرت إلى كلبي وناديته فهرع إليَّ؛ غير أنّ شيئًا من الخجل استولى عليَّ فابتعدت عن ذلك المكان وقلبي مفعم بنوع من الاحترام المقدّس.

 نعم، لا تعجبوا من ذلك ولا تضحكوا فإنّي شعرت حقًا بهذا الاحترام أمام الطائر الشجاع وأمام وثبته التي ساقه إليها حبّه الأبويّ.